

الأسرة هي البيئة الأولى التي يتعلم فيها الطفل الحب، الأمان، والعدل. غير أن هذه البيئة قد تشهد مشاكل طبيعية مثل الغيرة بين الإخوة. فالغيرة لا تظهر فجأة ولا تأتي من فراغ؛ بل تنشأ حين يشعر أحد الأبناء أن اهتمام والديه تحول إلى أخيه. ورغم أن هذه المشاعر طبيعية، إلا أن طريقة تعامل الأبوين معها هي ما يحدد إن كانت ستتحول إلى صراع دائم أو إلى فرصة لبناء علاقة تقوم على المحبة بين الأبناء. لذلك، من المهم أن نتعمق في فهم أسباب الغيرة، ونتعرف على الطرق التربوية السليمة للتعامل معها خطوة بخطوة وهذا الذي سنستعرضه تفصيلياً بهذا المقال.
كيف يتعامل الأبوين مع الغيرة بين أبنائهم بأسلوب تربوي سليم؟
فهم أسباب الغيرة بين الإخوة
تبدأ الغيرة منذ السنوات الأولى حين يلاحظ الطفل أن هناك من يشاركه حنان والديه. قد يفسر الطفل أي تغيير في سلوك والديه على أنه تفضيل لأخيه، حتى لو لم يكن الأمر كذلك. الطفل لا ينظر للأمور بعين النضج بل بعين الاحتياج، فإذا رأى أخاه الصغير يحمل على كتف الأم أو يسمع كلمات المديح الموجهة له، فإنه يظن أنه أقل قيمة. فهذه المشاعر ليست دليلاً على فساد طبع الطفل، بل على حاجته لتأكيد الحب والاهتمام. إدراك الوالدين لهذه الحقيقة يساعدهما على التعامل مع الموقف برفق ووعي، بدلاً من اللوم أو العقاب.
فمثلاً
عندما يقول الطفل: "يمه ليه أخوي الصغير دايم في حضنك وأنا لا؟" هذا السؤال ليس مجرد استفسار بريء، بل رسالة واضحة: "أنا خايف أفقد مكانتي عندك".
دور الأبوين في إظهار العدل والمساواة بين أبنائهم
العدل بين الأبناء أساس الاستقرار النفسي داخل الأسرة. لكن من المهم أن يدرك الوالدان أن العدل لا يعني المساواة في كل صغيرة وكبيرة. فاحتياجات الطفل البالغ من العمر 10 سنوات تختلف تماماً عن احتياجات أخيه الذي لم يتجاوز الرابعة. لذلك، المطلوب هو "العدل" أي أن يحصل كل طفل على ما يناسبه ويشعره بالاهتمام. فإذا شعر الأطفال أن والديهم يتعاملون بعدالة، تقل الغيرة بشكل كبير. أما إذا وجدوا تفضيلاً صريحاً أو حتى ضمنياً، فإن الغيرة ستتضاعف.
فمثلاً
لو الابن الكبير قال: "أبوي ليه تعطون خالد جوال وأنا لا؟"
يمكن للأب أنه يرد ويقول: "يا ولدي خالد ما عنده واجبات كثير مثلك، عشان كذا نخليه يلعب شوي بالجوال. وأنت إذا خلصت دروسك زي ما تعودنا، نعطيك وقتك الخاص في الجوال."
الحوار المفتوح مع الأبناء
الحوار الصادق مع الأبناء يفتح لهم مساحة للتعبير عن مشاعرهم بدل كتمانها أو ترجمتها إلى سلوك عدواني. على الوالدين أن يكونا مستعدين للاستماع دون مقاطعة، وأن يظهرا تفهماً لمشاعر الطفل مهما بدت بسيطة. فالطفل عندما يشعر أنه مسموع، يقلل من حدة غضبه ويتعلم أن المشاعر يمكن التعبير عنها بالكلام لا بالأفعال. هذه العادة إذا ترسخت في الطفولة، تصبح أساساً للتواصل الصحي في حياته كلها.
فمثلاً
وقت الأب يجلس مع ابنه ويقول: "تكلم يا سعد، إيش مضايقك من أختك؟" فيشعر سعد أنه مسموع وأن مشاعره مهمة عند والده.
عدم المقارنة بين الإخوة
المقارنة سلاح ذو حدين، وغالباً ما تكون نتائجها سلبية. عندما يقول الوالد: "شوف أخوك أذكى منك"، فإنه لا يحفز الطفل بل يزرع فيه شعوراً بالنقص والدونية. بينما إذا ركز على نقاط قوة كل طفل، فإن ذلك يعزز الثقة بالنفس ويجعل الأطفال يرون بعضهم كأفراد مميزين لا كمتنافسين. فالمقارنة تزرع في الطفل رسالة ضمنية: "أنت غير كافٍ". وهذه الرسالة كفيلة بأن تولد غيرة مستمرة ومشاعر سلبية تجاه الإخوة.
فمثلاً
بدل ما يقول الأب: "أختك أحسن منك في المدرسة." يقول: "أنا مبسوط لأنك شاطر بالرسم، وأختك تحب القراءة، وكل واحد فيكم له موهبته."
إشراك الأبناء في الأنشطة المشتركة
الأنشطة الجماعية تجعل الإخوة ينظرون لبعضهم كفريق واحد. عندما يتعاونون في تنظيف الغرفة أو إعداد مائدة الطعام، فإنهم يكتسبون خبرة عملية في أن النجاح لا يتحقق إلا بالمشاركة. هذا الأسلوب يقلل من فرص الغيرة ويحولها إلى تعاون.
فمثلاً
وقت الأم تقول: "يا عيال خلونا نزين البيت لرمضان، أنت يا فهد علّق الفوانيس، وأنت يا يزيد جهّز الأطباق." بهذا يتحول العمل إلى مناسبة ممتعة مشتركة.
العمل على زيادة مشاعر الحب بين الإخوة
لا يكفي أن نمنع الغيرة، بل يجب أن نزرع بديلاً إيجابياً وهو الحب والتقدير. عندما يتعلم الطفل أن يقول كلمة شكر أو يشارك لعبة مع أخيه، فإنه يكتسب عادة المحبة بدلاً من الغيرة.
فمثلاً
لما الأم تقول: "يا محمد قول لأخوك شكراً يوم عطاك القلم." فيتعلم الطفل التعبير عن الامتنان بدلاً من الغضب.
إدارة الوقت مع كل طفل على حدة
واحدة من أقوى وسائل تقليل الغيرة أن يخصص الوالدان وقتاً فردياً مع كل طفل. هذا الوقت يعزز شعور الطفل أنه مهم بحد ذاته، وليس مجرد جزء من مجموعة.
فمثلاً
الأب يذهب مع ابنته الصغيرة لمحل الألعاب ويقول: "اليوم وقتنا كله لك، وش تبغين نشتري؟" بهذا يشعر الطفل أن له مكانة خاصة لا يزاحمه عليها أحد.
استخدام المكافآت
المكافأة والمدح لهما تأثير سحري على سلوك الطفل. عندما يلاحظ الوالدان أي مبادرة إيجابية من أحد الأبناء تجاه أخيه، يجب أن يبادرا بالثناء عليها فوراً. هذا يشجع الطفل على تكرار السلوك بدلاً من البحث عن الاهتمام عبر الغيرة أو الشكوى.
فمثلاً
الأم تقول: "يا رهف أنا فخورة فيكي يوم خليتي أختك تلعب بلعبتك، تستاهلين نجمة اليوم."
دور القدوة في سلوك الوالدين
الأبوان هما المدرسة الأولى في العلاقات الإنسانية. فإذا كان بينهما احترام وتقدير متبادل، فسيتعلم الأبناء أن المحبة هي الأساس. أما إذا رأوا صراعات دائمة أو تفضيلاً بين الأبناء، فسيتشربون هذه السلوكيات.
فمثلاً
الأب يقول لزوجته قدام العيال: "الله يجزاك خير يا أم ناصر، تعبتي معنا اليوم." هذا السلوك البسيط يغرس في الأطفال قيمة التقدير بدلاً من الغيرة.
كيفية التعامل مع حالات الغيرة الحادة
أحياناً قد تتحول الغيرة إلى تصرفات خطيرة مثل ضرب الأخ أو إتلاف ممتلكاته. هنا يجب أن يكون تدخل الوالدين حازماً لكن غير عنيف. المطلوب أن يُفهم الطفل أن سلوكه غير مقبول، مع توجيهه لبديل صحيح للتعبير عن مشاعره.
فمثلاً
إذا ضرب الطفل أخاه، يمكن للأب أن يقول: "الضرب ممنوع، إذا زعلت تكلمنا ولا تضرب اخوك. تعال اجلس وقل وش مضايقك."
تعليم الأبناء التعبير عن المشاعر
التعبير عن المشاعر مهارة تحتاج تدريباً. عندما يتعلم الطفل أن يقول "أنا زعلان" أو "أنا غرت"، فإنه يجد متنفساً صحياً بدلاً من التصرفات العدائية.
غرس قيمة التعاون بدلاً من التنافس
يمكن للوالدين أن يحولوا التنافس السلبي إلى تعاون إيجابي. بدلاً من أن يتنافس الإخوة على من الأفضل، يمكن أن يتعاونوا لتحقيق هدف جماعي.
فمثلاً
وقت الأب يقول: "إذا خلصتوا واجباتكم سوا، نروح كلنا نشتري آيس كريم." يشعر كل طفل أن نجاحه مرتبط بنجاح أخيه.
متى يحتاج الأبوين لمتخصص تربوي؟
في بعض الحالات، قد تكون الغيرة أكثر تعقيداً من أن تحلها الطرق التقليدية. إذا لاحظ الوالدان أن الغيرة تتحول إلى عداء شديد أو عزلة اجتماعية، أو أنها تؤثر على التحصيل الدراسي، فقد يكون من الحكمة استشارة أخصائي نفسي أو تربوي. التدخل المبكر يمنع تحول المشكلة إلى أزمة دائمة.
وختاماً فالغيرة بين الأبناء ليست عيباً ولا خطراً في حد ذاتها، بل هي رسالة من الطفل تقول: "أنا أحتاج اهتماماً أكبر". فإذا استجاب الوالدان لهذه الرسالة بوعي وعدل، فإن الغيرة تتحول إلى فرصة لغرس قيم الحب والتعاون. التربية الواعية لا تحاول إلغاء المشاعر الطبيعية، بل تسعى لتوجيهها نحو ما يبني شخصية متوازنة وأسرة مترابطة. إن أفضل هدية يقدمها الوالدان لأبنائهم هي بيئة قائمة على العدل، الحوار، والقدوة الحسنة، حيث تتحول الغيرة إلى طاقة إيجابية تعزز المحبة بين الإخوة.
إذا ودك عيالك يكبرون في بيت مليان حب، وتحس إن الغيرة بينهم صارت مجرد فرصة نتعلم منها كيف نقوّي المودة والتعاون، فهالشي ما يجي إلا بوعي منك ومن شريك حياتك. التربية مو بس تعليمات وأوامر، هي قلب مفتوح وقدوة يومية تبني فيهم الثقة وتزرع بينهم المحبة. ومنتدى حب القطيف رح يساعدك تلقى الشريك اللي يؤمن بنفس الفكرة ويشاركك نفس الحلم. سجّل اليوم، يمكن يكون نصيبك هناك، وتبدأون سوا توفرون لعيالكم طفولة مليانة حب وطمأنينة.
الذكور | 963 |
الإناث | 629 |
طلبات الزواج | 1589 |
الذكور 3 |
الإناث 3 |
الزوار 7 |
الكامل 13 |
زيارات اليوم 2831 |
كل الزيارات 15467866 |